rehlah

rehlah

ucapan

Thursday, December 16, 2010

Pengenalan Murjiah dan akidahnya..

ظهور الفرق
إذا كانت بعض الفرق تنسب إلى مؤسِّسها مثل الأشعريَّة والماتريدِيَّة، فإن بعضًا منها تنسب إلى أهم مبادئها مثل المُرْجِئَة والمجسِّمة والمشبِّهة، كما أن فرقًا أخرى تنسب إلى موقف ما من مواقفها أو حادثة خاصة لزمتها مثل المعتزلة والخوارج. ولم يكد القرن الأول الهجري ينتهي حتى ظهرت بعض هذه الفرق الإسلامية، سواء تلك الفرق ذات الطابع السياسي مثل الشيعة والخوارج، أو الفرق ذات الطابع الديني مثل المرجئة والمعتزلة، وكان اتِّساع الفتوحات الإسلامية وتعدد الأجناس التي دخلت الإسلام هو العامل الأظهر في وجود تلك الفرق ونشأتها.
كما أن الحروب الأولى التي نشبت بين المسلمين كانت هي الأخرى عاملاً من عوامل ظهور تلك الفرق؛ حيث كثر الكلام حول هؤلاء المتحاربين، وعلى حكم مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم لا؟[1].

فقالت الخوارج بكفره، وقالت المعتزلة بأنه في منزلة بين المنزلتين، لا هو مؤمن ولا هو كافر. وقال الحسن البصري وطائفة من التابعين: إنه منافق؛ لأن الأعمال أدلة على القلوب. وقال جمهور المسلمين: هو مؤمن عاصٍ، أمره بيد الله إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه. وفي وسط هذا الخلاف ظهرت المرجئة فقالت: هو مؤمن ناجٍ؛ لأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة[2].

وتحديد ظهور أية فرقة أو طائفة مختلَفٌ فيه بين العلماء؛ لأن تلك الفرق لا تظهر فجأة أو دفعة واحدة وإنما تظهر أفكار واتجاهات يلتف البعض حولها حتى تتبلور تلك الأفكار فتكون نواة لمذهب أو فرقة، وعند ذلك يظهر المصطلح وتتحدد الجماعة، من هنا كان الاختلاف حول تحديد ظهور معظم الفرق والطوائف[3].

نشأة المرجئة

الرأي الأقرب إلى الصواب في نشأة المرجئة أنها نشأت بعد ظهور الخوارج والمعتزلة كردِّ فعلٍ لهم؛ لأن الخوارج ترى أن مرتكب الكبيرة كافر مخلَّد في النار، وتكفر عليًّا وعثمان -رضي الله عنهما- والقائلين بالتحكيم.

والمعتزلة تقول: إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، وأنه مخلَّد في النار أيضًا؛ فظهرت المرجئة لتعلن الرأي المقابل لهذين الرأيين وتقول: إن مرتكب الكبيرة مؤمن ناجٍ، وتذهب إلى مسالمة جميع الطوائف، والقول بإيمان ونجاة كل المسلمين.

فالسبب الذي من أجله ظهرت المرجئة هو مغالاة بعض الطوائف في الحكم على المسلمين وتكفير بعض الصحابة؛ فالخوارج يكفِّرون عثمان وعليًّا رضي الله عنهما، والشيعة يكفِّرون أبا بكر وعمر وعثمان y، والمعتزلة يقولون بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، وكل طائفة تدَّعِي أنها على الحق وأن ما عداها كافر؛ فظهرت المرجئة تسالم الجميع ولا تكفِّر طائفة منهم، وتقول: إن جميع المؤمنين ناجون يوم القيامة[4].

وإلى جانب هذا العامل الديني في نشأة المرجئة نستطيع أن نجد معه جنبًا إلى جنب العامل السياسي، خاصةً أن الدين كان في تلك الفترة من فجر الإسلام مرتبطًا بالسياسة ارتباطًا وثيقًا؛ لأن السلطة الدينية كانت هي بعينها السلطة السياسية، وعلى ذلك تكون المرجئة قد نشأت باعتبارها حزبًا سياسيًّا مستقلاًّ قام مع الحزبين الآخرين: حزب الشيعة، وحزب الخوارج.

مفهوم الإرجاء

الإرجاء على معنيين: أحدهما بمعنى التأخير، كما في قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111]، أي: أمهله وأخره. والثاني: إعطاء الرجاء[5]. أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخِّرون العمل عن النية والعقد.

وأما بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

وقيل: الإرجاء: تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يُقضى عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة، أو من أهل النار. فعلى هذا: المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان.

وقيل: الإرجاء: تأخير علي t عن الدرجة الأولى إلى الرابعة. فعلى هذا: المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان[6].

ومحور مذهب الإرجاء هو مفهوم الإيمان أو مسمَّاه، وقد اختلف المسلمون حول مسمَّى الإيمان ما هو؟

فمنهم من جعل الإيمان مثلث الأركان (تصديق وإقرار وعمل)، ومنهم من اكتفى فيه بالتصديق والإقرار، وأخرج العمل.

ومنهم من جعله التصديق فقط أو الإقرار فقط، إلى آخر ما عُرف من ذلك من خلاف بين فرقهم وطوائفهم[7].

فرق المرجئة

يصل أبو الحسن الأشعري بفرق المرجئة إلى اثنتي عشرة فرقة، هي:

1- الجهميَّة: أتباع الجهم بن صفوان، وهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط، وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بإيمان، وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به. كما زعمت الجهميّة أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده، وأن الإيمان لا يتبعَّض ولا يتفاضل أهله فيه، وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون غيره من الجوارح[8].

2- الصالحيَّة: أتباع أبي الحسين الصالحي، وهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل به فقط؛ فلا إيمان بالله إلا المعرفة به، ولا كفر بالله إلا الجهل به، وأن قول القائل: إن الله ثالث ثلاثة ليس بكفرٍ، ولكنه لا يظهر إلا من كافر، وذلك أن الله سبحانه أَكْفَرَ من قال ذلك، وأجمع المسلمون أنه لا يقوله إلا كافر. وزعموا أن معرفة الله هي المحبة له وهي الخضوع لله، وأصحاب هذا القول لا يزعمون أن الإيمان بالله إيمان بالرسول، وأنه لا يؤمن بالله إذا جاء الرسول إلا من آمن بالرسول، ليس لأن ذلك يستحيل، ولكن لأن الرسول قال: ومن لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله. وزعموا أيضًا أن الصلاة ليست بعبادة لله، وأنه لا عبادة إلا الإيمان به وهو معرفته، والإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة، وكذلك الكفر[9].

3- اليونسيَّة: أتباع يونس السمري، يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن. وزعموا أن إبليس كان عارفًا بالله غير أنه كَفَر باستكباره على الله، وهذا قول قوم من أصحاب يونس السمري. وزعموا أن الإنسان -وإن كان لا يكون مؤمنًا إلا بجميع الخِلال التي ذكرناها- قد يكون كافرًا بترك خَلَّة منها، ولم يكن يونس يقول بهذا[10].

4- الشِّمْريَّة: أصحاب أبي شمر ويونس، يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجة الأنبياء، وإن كانت قامت عليه حجة الأنبياء فالإيمان الإقرار بهم والتصديق لهم، والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الإيمان، ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال إيمانًا ولا بعض إيمان حتى تجتمع هذه الخصال، فإذا اجتمعت سموها إيمانًا لاجتماعها، وشبَّهوا ذلك بالبياض إذا كان في دابة لم يسموها بَلْقاء ولا بعض أبلق حتى يجتمع السواد والبياض، فإذا اجتمعا في الدابة سمِّي ذلك بَلَقًا إذا كان بفرسٍ، فإن كان في جمل أو كلب سمِّي بَقَعًا، وجعلوا ترك الخصال كلها وترك كل خصلة منها كفرًا، ولم يجعلوا الإيمان متبعِّضًا ولا محتملاً للزيادة والنقصان.

وحكي عن أبي شمر أنه قال: لا أقول في الفاسق الملِّيِّ فاسق مطلق دون أن أقيد فأقول: فاسق في كذا.

وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن أبي شمر أنه كان يقول: إن الإيمان هو المعرفة بالله والإقرار به وبما جاء من عنده. ومعرفة العدل -يعني قوله في القدر- ما كان من ذلك منصوصًا عليه أو مستخرَجًا بالعقول، مما فيه إثبات عدل الله ونفي التشبيه والتوحيد، وكل ذلك إيمان والعلم به إيمان، والشاكُّ فيه كافر، والشاك في الشاكِّ كافر أبدًا، والمعرفة لا يقولون إنها إيمان ما لم تضمّ الإقرار، وإذا وقعا كانا جميعًا إيمانًا[11].

5- الثوبانيَّة: أصحاب أبي ثَوبان، يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسله، وما كان لا يجوز في العقل إلا أن يفعله، وما كان جائزًا في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان.

6- النجاريَّة: أتباع الحسين بن محمد النجار، وهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله، وفرائضه المجتمَع عليها، والخضوع له بجميع ذلك، والإقرار باللسان، فمن جهل شيئًا من ذلك فقامت به عليه حُجَّة أو عَرَفه ولم يُقِرّ به كَفَر، ولم تسمِّ كل خصلة من ذلك إيمانًا كما حكينا عن أبي شمر. وزعموا أن الخصال التي هي إيمان إذا وقعت فكل خصلة منها طاعة، فإن فعلت خصلة منها ولم تفعل الأخرى لم تكن طاعةً كالمعرفة بالله إذا انفردت من الإقرار لم تكن طاعة؛ لأن الله أمرنا بالإيمان جملة أمرًا واحدًا، ومن لم يفعل ما أُمر به لم يطع.

وزعموا أن ترك كل خصلة من ذلك معصية، وأن الإنسان لا يكفر بترك خصلة واحدة، وأن الناس يتفاضلون في إيمانهم ويكون بعضهم أعلم بالله وأكثر تصديقًا له من بعض، وأن الإيمان يزيد ولا ينقص، وأن من كان مؤمنًا لا يزول عنه اسم الإيمان إلا بالكفر[12].

7- الغيلانيَّة: أصحاب أبي مروان غيلان بن مروان الدمشقي، وهم يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله الثانية، والمحبة والخضوع، والإقرار بما جاء به الرسول، وبما جاء من عند الله سبحانه، وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار؛ فلذلك لم يجعلها من الإيمان[13].

وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية أنهم يوافقون الشِّمْرية في الخصلة من الإيمان أنه لا يقال لها إيمان إذا انفردت، ولا يقال لها بعض إيمان إذا انفردت، وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنقصان، وأنهم خالفوهم في العلم فزعموا أن العلم بأن الأشياء مُحْدَثةٌ مدبَّرة ضرورة، والعلم بأن مُحْدِثها ومدبِّرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب، وجعلوا العلم بالنبي وبما جاء من عند الله اكتسابًا، وزعموا أنه من الإيمان إذا كان الذي جاء من عند الله منصوصًا بإجماع المسلمين، ولم يجعلوا شيئًا من الدين مستخرجًا إيمانًا.

وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية والغيلانية والنجارية ينكرون أن يكون في الكُفَّار إيمان، وأن يقال: إن فيهم بعض إيمان؛ إذ كان الإيمان لا يتبعَّض عندهم.

وذكر زرقان عن غيلان أن الإيمان هو الإقرار باللسان وهو التصديق، وأن المعرفة بالله فعل الله، وليست من الإيمان في قليل ولا كثير، واعتلَّ بأن الإيمان في اللغة هو التصديق[14].

8- الشبيبيَّة: أصحاب محمد بن شبيب، وهم يزعمون أن الإيمان الإقرار بالله، والمعرفة بأنه واحد ليس كمثله شيء، والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله، وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نصَّ عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله من الصلاة والصيام، وأشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع. وأما ما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الأشياء فإن الرادَّ للحق لا يكفر، وذلك أنه إيمان واستخراج ليس يردّ على رسول الله ما جاء به من عند الله سبحانه، ولا على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم ونصوا عليه، والخضوع لله هو ترك الاستكبار.

وزعموا أن إبليس قد عرف الله سبحانه وأقرَّ به، وإنما كان كافرًا لأنه استكبر ولولا استكباره ما كان كافرًا، وأن الإيمان يتبعَّض ويتفاضل أهله، وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان، ويكون صاحبها كافرًا بترك بعض الإيمان، ولا يكون مؤمنًا إلا بإصابة الكل. وكل رجل يعلم أن الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الأنبياء فهو كافر بجحده الأنبياء، وفيه خصلة من الإيمان وهو معرفته بالله، وذلك أن الله أمره أن يعرفه وأن يُقِرَّ بما كان عرف، وإن عرف ولم يُقِرّ أو عرف الله سبحانه وجحد أنبياءه، فإذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما أمر به، وإذا كان الذي أُمر به كله إيمانًا فالواحد منه بعض إيمان.

وكان محمد بن شبيب وسائر من قدَّمنا وصفه من المرجئة يزعمون أن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرِّين به وبرسله، مؤمنون بما معهم من الإيمان، فاسقون بما معهم من الفسق[15].

9- الحنفيَّة: أتباع أبي حنيفة، وهم يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله، والإقرار بالله، والمعرفة بالرسول، والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير. وذكر أبو عثمان الأدمي أنه اجتمع أبو حنيفة وعمر بن أبي عثمان الشَّمْزي بمكة، فسأله عمر فقال له: أخبرني عمَّن زعم أن الله سبحانه حرَّم أكل الخنزير، غير أنه لا يدري لعل الخنزير الذي حرمه الله ليس هي هذه العين. فقال: مؤمن. فقال له عمر: فإنه قد زعم أن الله قد فرض الحج إلى الكعبة، غير أنه لا يدري لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا. فقال: هذا مؤمن. قال: فإن قال أعلم أن الله سبحانه بعث محمدًا وأنه رسول الله، غير أنه لا يدري لعله هو الزنجي. قال: هذا مؤمن. ولم يجعل أبو حنيفة شيئًا من الدين مستخرجًا إيمانًا، وزعم أن الإيمان لا يتبعَّض ولا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل الناس فيه.

فأما غسان وأكثر أصحاب أبي حنيفة فإنهم يحكون عن أسلافهم أن الإيمان هو الإقرار والمحبة لله، والتعظيم له والهيبة منه، وترك الاستخفاف بحقه، وأنه لا يزيد ولا ينقص[16].

وقد ذكر أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) أن أبا حنيفة كان مرجئًا، فعندما ذكر الفرقة التاسعة من المرجئة قال: أبو حنيفة وأصحابه.

كما وردت أخبار عن أبي حنيفة تحاول وصمه بأنه من الجهميَّة يؤمن بالجبر. أما أن أبا حنيفة كان جهميًّا فذلك مستبعد عليه؛ لأنه كان ينكر آراء جهم كما كان ينكر آراء مقاتل بن سليمان، ويتضح ذلك من قوله: "أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطِّل، ومقاتل مشبِّه"[17].

وقال أيضًا: "أفرط جهم في النفي حتى قال: إنه ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعل الله تعالى مثل خلقه"[18].

أما عن كون أبي حنيفة وأصحابه أنهم من المرجئة، فهذا أمر يحتاج إلى توضيح وتفريق فأقول:

أولاً: ربما يكون السبب في نسبة أبي حنيفة إلى الإرجاء هو مخالفته القدرية والمعتزلة الذين ظهروا في الصدر الأول، والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر مرجئًا، وكذلك الوعيدية من الخوارج، فلا يبعد أن يكون اللقب إنما لزمه من فريق المعتزلة والخوارج[19].

ثانيًا: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث: أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم يرجون لأهل الكبائر الغفران؛ ردًّا على الخوارج وغيرهم الذين يكفِّرون الناس بالذنوب[20].

10- التُّومنيَّة: أتباع أبي معاذ التومني، يزعمون أن الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرًا، فتلك الخصال التي يكفر بتركها وبترك خصلة منها إيمان، ولا يقال للخصلة منها إيمانٌ ولا بعض إيمان. وكل طاعة إذا تركها التارك لم يُجمِع المسلمون على كفره، فتلك الطاعة شريعة من شرائع الإيمان، تاركُها إن كانت فريضة يوصف بالفسق، فيقال له إنه فَسَق، ولا يسمَّى بالفسق ولا يقال فاسقٌ، وليس تُخرِج الكبائر من الإيمان إذا لم يكن كفرٌ.

وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها، والردّ لها، والاستخفاف بها كافرٌ بالله، وإنما كفر للاستخفاف والرد والجحود، وإن تركها غير مستحلٍّ لتركها متشاغلاً مسوِّفًا يقول: الساعةَ أصلِّي، وإذا فرغتُ من لهوي ومن عملي؛ فليس بكافر إذا كان عزمه أن يصلي يومًا أو وقتًا من الأوقات، ولكن نفسِّقه. وكان أبو معاذ يزعم أن من قتل نبيًّا أو لطمه كفر، وليس من أجل اللطمة والقتل كفر، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له. وكان يزعم أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدوٍّ لله، ولا ولي له[21].

11- المريسيَّة: أتباع بشر المريسي، يقولون: إن الإيمان هو التصديق؛ لأن الإيمان في اللغة هو التصديق، وما ليس بتصديق فليس بإيمان. ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعًا، وإلى هذا القول كان يذهب ابن الرَّاوندِيِّ. وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية، وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفرًا، ولا يجوز أن يكون إيمانًا إلا ما كان في اللغة إيمانًا. وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر، ولكنه علامة على الكفر؛ لأن الله بيَّن لنا أنه لا يسجد للشمس إلا كافر[22].

12- الكَرَّاميَّة: أصحاب محمد بن كَرَّام السجستاني، يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب، وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيءٌ غير التصديق باللسان إيمانًا. وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله كانوا مؤمنين على الحقيقة، وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار له باللسان[23].

مظاهر الغلو في عقائد المرجئة

الغلو لغةً: الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء. وغلا في الدين والأمر: جاوز حدَّه. وفي التنزيل: {لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171][24].

والغلو اصطلاحًا: أسلوب من أساليب مقاومة الدين الإسلامي، وفي الحديث: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ"[25]. أي التشدد فيه ومجاوزة الحد[26].

وكانت المرجئة أول أمرها تُرجِئ أمر الصحابة المتقاتلين إلى الله تعالى، وترجئ أمر تعذيب أهل الكبائر إلى الله، ثم غلوا بعد ذلك حتى صاروا إلى قولتهم المغالية المنكرة: "لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة". وقالوا: "إن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقِيَّة وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب، وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان".

وقد تظاهر الغلاة بالتظاهر بالإسلام واتخاذه مرتكزًا للعمل من خلاله من أجل هدم الإسلام، ولم يعتمدوا على مجال واحد وإنما عملوا في الفرق والأحزاب السياسية، وفي جميع مظاهر النشاط الإسلامي[27].

وقد شابَتْ عقائد المرجئة -كما شاب غيرها من عقائد الفرق الأخرى- كثيرًا من مظاهر الغلو، منها:

1- أن المذنب من أهل ملتنا مؤمن كامل الإيمان، وإن لم يعمل خيرًا قَطُّ ولا كفَّ عن شرٍّ قط[28].

2- وطوائف من المرجئة قالوا: إن إبليس لم يسأل الله تعالى قَطُّ النظرة، ولا أقرَّ بأن الله تعالى خلقه من نار، وخلق آدم u من تراب. وآخرون قالوا: إن النبوة تكتسب بالعمل الصالح[29].

3- لا تضر مع الإسلام سيئة، كما لا ينفع مع الكفر حسنة[30].

4- إن إبليس لم يكفر بمعصية الله في ترك السجود لآدم، ولا بقوله عن آدم أنا أحسن منه، وإنما كفر بجحد لله تعالى كان في قلبه.

5- إن فرعون لم يعرف قَطُّ أن موسى جاء بتلك الآيات حقًّا من عند الله.

6- إن اليهود والنصارى لم يعرفوا أن محمدًا حقٌّ، ولا عرفوا أنه مكتوب، وأن من عرف منهم ذلك وكتمه وتمادى في إعلان الكفر كان مؤمنًا.

7- أرجئوا الحكم حتى على اليهود والنصارى ما داموا مؤمنين بالله.

8- المنافقون -في نظرهم- مؤمنون من أهل الجنة.

9- من آمن بالله وكفر بالنبي فهو مؤمن كافر معًا.

10- النبي لا تلزمه الزكاة؛ لأنه اختار أن يكون عبدًا، والعبد لا زكاة عليه؛ ولذلك لم يرث ولم يورث[31].

[1] د. عبد الفتاح أحمد الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص95.
[2] محمد أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية ص118، د. عبد الفتاح أحمد الفاوي: السابق نفسه ص95، 96.
[3] د. عبد الفتاح الفاوي: السابق نفسه ص99.
[4] د. عبد الفتاح أحمد الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص99.
[5] الشهرستاني: الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، 1404هـ، 1/138.
[6] المصدر السابق، الصفحة نفسها.
[7] د. عبد الفتاح أحمد الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص116.
[8] أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين، تحقيق هلموت ريتر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، ص132.
[9] المصدر السابق ص132، 133.
[10] أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين ص133.
[11] السابق نفسه ص134، 135.
[12] أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين ص135، 136.
[13] السابق نفسه ص136، د. محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي ص36.
[14] أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين ص136، 137.
[15] المصدر السابق ص137، 138.
[16] السابق نفسه ص138، 139.
[17] ابن عساكر: تاريخ دمشق 60/122، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 15/212.
[18] ابن حجر: تهذيب التهذيب10/251، د. عبد الفتاح الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص111، 112.
[19] د. عبد الفتاح الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص112.
[20] الذهبي: سير أعلام النبلاء 7/380، المزي: تهذيب الكمال 2/111، 112، البغدادي: تاريخ بغداد 7/18.
[21] أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين ص139، 140.
[22] المصدر السابق ص140، 141.
[23] السابق نفسه ص141.
[24] ابن منظور: لسان العرب 15/131.
[25] رواه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1851)، وقال الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (2680) في صحيح الجامع.
[26] د. عبد الفتاح الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص118.
[27] السابق نفسه ص119.
[28] ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 3/127.
[29] المصدر السابق 2/90.
[30] السابق نفسه 4/37.
[31] د. عبد الفتاح الفاوي: اختلافات المسلمين بين السياسة والدين ص119، 120.

No comments:

Post a Comment

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...